من سخرية القدر أن تقع سلسلة الهجمات الارهابية في العاصمة الفرنسية باريس عشية اجتماع فيينا 2 لحل الأزمة السورية، والذي من المقرر ان ينصرف لاعداد لوائح بالمنظمات التي يعتبرها المجتمعون ارهابية وأخرى للمنظمات التي تُعتبر معارضة-معتدلة ويجوز التعاون معها داخل سوريا.
ليس متوقعا ان يصل هؤلاء المجتمعون، ان اجتمعوا، لاي اتفاق بشأن اللوائح المذكورة، فارهابيو الطرف الاول هم نفسهم حلفاء الطرف الثاني، ومن يعتبرهم هذا الاخير مقاومين واصحاب الارض، يرى فيهم الاخصام السبب الاساس لتنامي الارهاب وبروز "داعش". هذه المعضلة حيرت الادارة الاميركية طوال السنوات الـ3 الماضية، فما لبثت أن وضعت يدها بيد بعض قوى المعارضة حتى سارعت الى سحبها بعد أن وجدت أنّها تدعم وتمول وتسلح مجموعات متطرفة لا تشبهها بشيء، لا بل ثبت أن بعضا من سلاحها وصل الى عدوها المعلن اللدود، القاعدة، وأن عناصر كانت تعول عليهم واشنطن لمحاربة التكفيريين أعدمهم هؤلاء من دون أن يرف لهم جفن.
انسحب الأميركيون بعدها الى الوراء بمسعى لاعادة دراسة المعطيات المتوافرة لتبيان كيفية التعامل معها، وها هم حتى الساعة لم يتوصلوا لوضع أي خطة محكمة للتعامل مع الوضع، فاذا بالارهاب، والارجح عبر موجة المهاجرين من دول منطقة الشرق الأوسط يغزو أوروبا من بوابة باريس منفذا أكبر عملية ارهابية من حيث الحجم والأهداف منذ أحداث 11 ايلول التي هزت الولايات المتحدة الأميركية.
ولا يتحمل الأميركيون وحدهم مسؤولية ما آلت اليه الأمور، فالدخول الروسي الى حلبة الصراع السوري "المستفز" بالنسبة لهؤلاء المتطرفين، زاد من تطرفهم، وأعطى دافعا جديدا لمروضي الانتحاريين لحثّ هؤلاء على تنفيذ عملياتهم من دون بذل الكثير من الجهود واستخدام الحجج ووسائل الاقناع. فهل أسهل من حجة ما يزعم الارهابيّون بأنّها حرب صليبية على أهل السّنّة لتحريك مئات الخلايا النائمة في عواصم العالم؟
ما تجنبته موسكو طوال الايام الماضية نتيجة الاستنفار الامني غير المعلن في روسيا والذي أدّى الى القاء القبض على عدد كبير من الارهابيين، حصل في باريس، وهو قد يحصل في اي وقت في واشنطن أو ألمانيا أو كندا أو استراليا أو غيرها من الدول التي تثبت يوما بعد يوم أنّها فشلت وبشكل غير مسبوق بصوغ خطة واضحة المعالم لمواجهة الارهاب التي أوجدته وغذته ومولته بعضها ظنا منها بأن تداعياته ستظل محصورة بسوريا والدول المجاورة.
ولن يكون مستغربا أن يدفع آلاف اللاجئين السوريين الذي ضحوا بكل شيء وخاطروا بحياتهم للوصول الى دول اوروبا بحثا عن مستقبل جديد، قريبا جدا ثمن التفجيرات التي هزّت فرنسا، نتيجة تسلل عدد كبير من المتطرفين الى قواربهم من دون ان يعوا ذلك. لعلها لعنة الموت والارهاب تطاردهم حتى حين ظنوا أنهم عانقوا أحلامهم في أوروبا.
وحتى تستوعب الدول العظمى فظاعة ما اقترفت ايديها وان التفجيرات التي هزت باريس لم تقع لا في الضاحية الجنوبية لبيروت ولا في بغداد او في ريف دمشق، لن تعرف الشعوب اينما وجدت الطمأنينة وسيلتفت مئات الملايين حولهم يوميا بحثا عن انتحاري قد يقرر تفجير نفسه بأحلامهم ومستقبلهم او بحافلة اولادهم.